الأحد، 14 أبريل 2013


   المخادنة
 يمكن تعريف المخادنة أو المعاشرة الحرة بأنها ارتباط رجل بامرأة
 واتفاقهما على المساكنة و المعاشرة، و لو بصفة متقطعة، دون عقد زواج[1]،و هي مؤسسة عرفها المجتمع الجاهلي و أبطلها الإسلام و نهى عنها و اعتبرها جريمة من جرائم الحدود باعتبارها زنى و سفاحا.[2]
  و يمكن القول أن هذا النوع من العلاقات و إن كان يعتبر مرفوضا من قبل تشريعات كل الدول العربية، لكونه وضعية مخالفة لأحكام الدين و الأخلاق و حالة خطيرة من المنظور الاجتماعي، فإنه و بالنسبة لبعض الدول الأوروبية، وتحت تأثير الأمر الواقع قد تم قبوله على مضض.
  فبالنسبة للدول الأوروبية حيث أثرت المسيحية على العقليات في الماضي، كانت الوسيلة الوحيدة لتكوين الأسرة هي الزواج، أما المخادنة فكانت تعتبر أمرا منافيا للأخلاق ولم يقرها القانون الكنسي و لم ينظمها، حيث كان الزواج يتمتع بامتياز و قدسية خاصة تتميز بعدم قابليته للانحلال من جهة، و بالدونية من الناحية القانونية بالنسبة للأطفال الطبيعيين         و بالتصدي للمعاشرة الحرة.[3]
  و بالرجوع إلى القانون المدني الفرنسي لسنة 1804، نجد أنه أصبح يحمي الزواج و إن بدرجة أقل، حيث أصبح يسمح بالطلاق مع بعض الاستثناءات، في حين أصبحت المعاشرة الحرة متجاهلة و لكنها غير محاربة قانونا، و كما يشهد لذلك قول بونابارت :" المتخادنون يمرون على القانون، و القانون يتجاهلهم"
« les concubins se passent de la loi, la loi se désinteresse d’eux »
و إن كانت المخادنة اعتبرت إلى وقت قريب مسألة هامشية و غير منظمة قانونا، فإنه و مع نهاية القرن العشرين، تغيرت النظرة إلى الأمور تحت تأثير الدراسات السوسيولوجية والمقارنة مما جعل الاهتمام بهذه المؤسسة أيا كانت تسميتها[4]، يتعاظم في الوقت الراهن،   وتحت تأثير النزعة الاجتماعية التحررية، حيث تم تغيير النظرة التقليدية حول هذه المؤسسة سواء من جانب المشرع أو الاتجاهات القضائية و كذا الفقه.[5]
  و هو ما تمثل في تغيير موقف المشرع الفرنسي بمقتضى القانون عدد 944 لسنة 99 المؤرخ في نونبر 1999 و الذي أضيف بمقتضاه العنوان الثاني عشر للمجلة المدنية الفرنسية و المتعلق بالميثاق المدني للتضامن و المخادنة فعرف مؤسسة المخادنة وحدد خصائصها من خلال المادة 515، و التي عرفتها بأنها "اتحاد يتميز بحياة مشتركة تعبر عن الاستقرار و الاستمرارية بين شخصين من جنسين مختلفين أو من نفس الجنس يعيشان معا".[6]
    و في إطارالمخادنة يحتفظ الطرفان بحريتهما الكاملة في التصرف دون قيد أو شرط، إذ لا وجود لواجب أمانة أو وفاء أو إخلاص أو مساكنة أو مساعدة أو طاعة بين المتخادنين، فحرية كل طرف مطلقة، إذ لا حق لكل منهما على الآخر و لا واجب على من يخل بالتزامه، كما أنه ليس له أي تأثير على حالة الأشخاص، فهو لا يسجل في الحالة المدنية    و لايمنح الحق في حمل الاسم،  من الناحية المالية يعتبر المتخادنون من الأغيار.[7]
  و أمام هذه الوضعية القانونية التي لا توفر حماية لهذه المؤسسة، أصبح بإمكان المتخادنين ، وفق القانون contrat de quasi mariageإبرام عقود، يمكن تسميتها بعقود شبه زواج 
السالف الذكر، على شكل اتفاق ينظم علاقاتهما في جوانبها المالية و غير المالية.
  و إن كان بعض شراح القانون يرون أن اعتراف المشرع الفرنسي بالمخادنة و تنظيمها يمثل تقنية قانونية مستحدثة لإضفاء الشرعية على مؤسسات شبيهة بالزواج، بل إن البعض رأى فيها نوعا من جديدا من أنواع الزواج، فإن دحض هذا الطرح لا يحتاج إلى مجهود مادام من أهم مقومات الزواج المساكنة و الإخلاص بين الزوجين ووجود حقوق و التزامات متبادلة، وهو ما لا يتوفر في هذا النوع من العلاقات.
  و هذا ما يجعل من غير الممكن قبول مثل هذه المؤسسة في مجتمعنا المغربي المسلم، فهي لن تغدو أن تكون مجرد علاقة فساد يحميها القانون، و لهذا حسنا فعل الدستور الجديد عندما تحدث عن شكل وحيد و أوحد للأسرة هو الأسرة الزواجية، و سبقته في ذلك مدونة الأسرة.
  و في نفس الإطار، وارتباطا بالقانون التونسي، يرى د.عبد الواحد عمارالداودي أن المخادنة كوضعية مخالفة لأحكام الدين و الأخلاق كان يتوجب على المشرع أن يمنعها بصريح النص، لكنه اختارالانسحاب و الصمت فتجاهل هذه المؤسسة و لم ينظمها و لم يتعرض لها لا في أحكام المجلة الجنائية و لا مجلة الأحوال الشخصية و القوانين اللاحقة أو المكملة لها، و الاستثناء الوحيد هو محاولة المشرع لضبط العلاقة بين المتخادنين و أبنائهم، كما يتضح من خلال أحكام القانون عدد 75 لسنة 1998 المؤرخ في 28-10-1998       و المتعلق بإسناد لقب عائلي للأطفال المهملين أو مجهولي النسب[8]، و إن كانت لا تخص المخادنة فقط، بل تشمل كل العلاقات الخارجة عن إطار الزواج.
  أما فقه القضاء التونسي فموقفه اختلف عن موقف المشرع باعتبار أن هذا الفعل المباح قانونا هو مرفوض أخلاقيا و اجتماعيا، لذلك لم يتقبل فقه القضاء عدم تجريم هذا الفعل     و حاول إعطاء تكييف خاص لمؤسسة المخادنة، فمرة يعتبرها زواجا عرفيا و مرة أخرى يعتبرها بغاء سريا.[9]


 عمر عبد الحميد عمار الداودي، العلاقات بين الزوجين:جدلية التقليد و التجديد في القانونين التونسي و المقارن، مركز[1]
النشر الجامعي، طبعة 2007، ص90.
 قال تعالى :" محصنات غير مسافحات و لا متخذات أخدان".....[2]
[3] Fanny Vasseur-Lambry, la famille  et la convention européenne des droits de l’homme, L’harmattan 2000, p 376.
[4] Ménage,concubinage ou union libre .
[5]  François Terré et Dominique Fenouillet, Droit civil : les personnes,la famille, les incapacités, édition Dalloz,6ème édition, 1996, p 523.
[6] L’article 515-8 du code civil français annonce : « le concubinage est un union de faite,caractérisé par une vie commune présentant un caractère de stabilité et de continuité, entre deux personnes,de sexe différent ou de méme sexe, qui vivent en couple »
[7] Fanny Vasseur-Lambry, référence précédente, p 377.
 نص الفصل 1 من القانون عدد 75 لسنة 1998 على أن :[8]
" على الأم الحاضنة لابنها القاصر و مجهول النسب أن تسند له اسمها و لقبها العائلي أو أن تطلب الإذن بذلك طبق أحكام مجلة الحالة المدنية.
و يمكن للأب أو الأم أو النيابة العمومية رفع الأمر إلى المحكمة الابتدائية المختصة لطلب إسناد لقب الأب للطفل الذي يثبت بالإقرار أو بشهادة الشهود أو بواسطة التحليل الجيني أن هذا الشخص هو أب ذلك الطفل.
و في هذه الحالة فإن إسناد اللقب يخول للطفل الحق في النفقة و الرعاية من ولاية و حضانة ما دام لم يبلغ سن الرشد أو بعده في الحالات المخولة قانونا"
 عمر عبد الحميد عمار الداودي، مرجع سابق، ص 94.[9]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق