الأحد، 4 مايو 2014

نهاية البداية : قصة من حلقات

نهاية البداية ( قصة من حلقات)

الحلقة الأولى : البداية

كان الجو في تلك الليلة قارسا لدرجة أنه لم يجرؤ على الخروج إلى الشوارع إلا من لفظهم المجتمع و الحياة ممن يسمون ب "أولاد الشوارع" ليخوضوا معركة الموت أو الحياة أمام ذلك البرد القاسي، في تلك الليلة، أبى ياسر إلا أن يخرج كعادته كل ليلة ليتجول في المدينة رغم قساوة الجو و خلو الأزقة، فقد اعتاد التجول كل ليلة بعد أذان صلاة المغرب هروبا من جحيم منزله و أسرته، فبعد وفاة والدته التي أحبها حبا كبيرا، حب الابن البار للأم الشفيقة، لم يلبث أباه أن تزوج امرأة أخرى قلبت حياة ياسر رأسا على عقب، فحولتها من سعادة إلى شقاء سرمدي، فما إن يخرج الأب الذي أكلت السنون محاسنه حتى تبدأ زوجته في اختلاق كل ما من شأنه أن يحطم أعتى القلوب، فيقف ياسر أمام هذه المرأة الجبارة كسيرا حزينا لا يملك قدرة على الخلاص من هذا الجحيم إلا بالخروج إلى الشارع لعله يتخلص من بعض معاناته عن طريق الحديث مع بعض أصدقائه، و إن لم يجد يشكو إلى الدروب و الأزقة التي يجدها أرحم من زوجة الأب، و يبكي ما شاء الله له ان يبكي حزنا على ذكرى والدته التي وهبت كل حياتها لتربي هذا الابن.
  خرج تلك الليلة و الأسى يحطم قلبه الرقيق، بدأ يتجول بين الدروب و البرد يصفع وجهه الناعم و كأنه يقول له قد كتب عليه الشقاء و لا مكان له بين أحضان السعادة مهما حاول، و لكن ياسر لم يكن ليهتم بذلك لأنه مهما بلغت قساوته فلن تبلغ درجة قساوة زوجة الأب، و هكذا ظل يمشي و يجول شارد الذهن يتذكر سويعات السعادة التي قضاها في حضن والدته، و ما هي إلا لحظات حتى هب مطر شديد لتختلط حباته الباردة بدموع ياسر الساخنة لتستحيل ماء واحدا يغسل حزن و ألم ياسر، و بينما هو كذلك تراءى له من بعيد شبح يهرول نحوه و كأنه هارب من شيء ما، و ما هي إلا لحظة حتى كان الشخص أمامه يطلب منه بنبرة مرتبكة تقطعها أنفاس بسبب الجهد الذي لحقه جراء الجري و يقول: آسفة لإزعاجك يا سيدي، و لكني لم أجد أحدا غيرك أستغيث به في هذا الشارع المظلم، فأجاب ياسر و هو يربت على كتف الفتاة: لا تخافي يا سيدتي، و لكن ما الأمر؟                                                              فقالت و هي لا تفتأ تلتفت وراءها في كل وقت و حين: هناك أشخاص يلاحقونني منذ أن نزلت من الحافلة، و ما أراهم إلا يريدون مني شرا.                                                                                              فأجابها بنبرة المطمئن: لا تخافي، فلن أدع مكروها يصيبك مهما حدث، و أنا أعني ما أقول. فلم تهدأ الفتاة حتى تراءى لها الأشخاص الذين كاننوا يطاردونها يتوقفون من بعيد، ثم يعودون أدراجهم ليختفوا وراء أستار الليل. ثم التفتت إلى ياسر، و ابتسمت ابتسامة رقيقة ممزوجة بالخوف أوقعت في قلب ياسر وقعها، ثم طلبت منه بحياء و خجل شديدين: - لا أدري كيف أشكرك يا سيدي على هذا الجميل الذي لن أنساه لك ما حييت،فقلة من يتصرف مثل تصرفك النبيل هذا.                                        فأجابها ياسر هو الآخر، و هو يرتجف من شدة الارتباك: أنا لم أفعل غير الواجب يا سيدتي، و أظن أي شخص آخر سيفعل ما فعلت أو ربما أكثر، فلا داعي إذن للشكر.                                             فتحت الفتاة المظلة التي كانت تحملها بين يديها و غطت بها نفسها و ياسرا و طلبت منه بكل حياء: - هلا سألتك أمرا آخر؟ و أرجو ألا أكون قد ضيعت وقتك و فوت عليم غرضك الذي خرجت من أجله في هذا الجو البارد، و لا أظنك خرجت في مثل هذا الوقت إلا أمر مهم.                                          فأجابها مستبشرا، فقد وجد من يتحدث إليه ليفرج عن نفسه قليلا من وطأة الحزن: - لبيك سيدتي، اطلبي ما شئت، فقد اعتدت الخروج كل ليلة في مثل هذا الوقت لأتمشى قليلا كيفما كانت أحوال الطقس.
... يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق