الأحد، 4 مايو 2014

نهاية البداية : قصة من حلقات

نهاية البداية ( قصة من حلقات)

الحلقة الأولى : البداية

كان الجو في تلك الليلة قارسا لدرجة أنه لم يجرؤ على الخروج إلى الشوارع إلا من لفظهم المجتمع و الحياة ممن يسمون ب "أولاد الشوارع" ليخوضوا معركة الموت أو الحياة أمام ذلك البرد القاسي، في تلك الليلة، أبى ياسر إلا أن يخرج كعادته كل ليلة ليتجول في المدينة رغم قساوة الجو و خلو الأزقة، فقد اعتاد التجول كل ليلة بعد أذان صلاة المغرب هروبا من جحيم منزله و أسرته، فبعد وفاة والدته التي أحبها حبا كبيرا، حب الابن البار للأم الشفيقة، لم يلبث أباه أن تزوج امرأة أخرى قلبت حياة ياسر رأسا على عقب، فحولتها من سعادة إلى شقاء سرمدي، فما إن يخرج الأب الذي أكلت السنون محاسنه حتى تبدأ زوجته في اختلاق كل ما من شأنه أن يحطم أعتى القلوب، فيقف ياسر أمام هذه المرأة الجبارة كسيرا حزينا لا يملك قدرة على الخلاص من هذا الجحيم إلا بالخروج إلى الشارع لعله يتخلص من بعض معاناته عن طريق الحديث مع بعض أصدقائه، و إن لم يجد يشكو إلى الدروب و الأزقة التي يجدها أرحم من زوجة الأب، و يبكي ما شاء الله له ان يبكي حزنا على ذكرى والدته التي وهبت كل حياتها لتربي هذا الابن.
  خرج تلك الليلة و الأسى يحطم قلبه الرقيق، بدأ يتجول بين الدروب و البرد يصفع وجهه الناعم و كأنه يقول له قد كتب عليه الشقاء و لا مكان له بين أحضان السعادة مهما حاول، و لكن ياسر لم يكن ليهتم بذلك لأنه مهما بلغت قساوته فلن تبلغ درجة قساوة زوجة الأب، و هكذا ظل يمشي و يجول شارد الذهن يتذكر سويعات السعادة التي قضاها في حضن والدته، و ما هي إلا لحظات حتى هب مطر شديد لتختلط حباته الباردة بدموع ياسر الساخنة لتستحيل ماء واحدا يغسل حزن و ألم ياسر، و بينما هو كذلك تراءى له من بعيد شبح يهرول نحوه و كأنه هارب من شيء ما، و ما هي إلا لحظة حتى كان الشخص أمامه يطلب منه بنبرة مرتبكة تقطعها أنفاس بسبب الجهد الذي لحقه جراء الجري و يقول: آسفة لإزعاجك يا سيدي، و لكني لم أجد أحدا غيرك أستغيث به في هذا الشارع المظلم، فأجاب ياسر و هو يربت على كتف الفتاة: لا تخافي يا سيدتي، و لكن ما الأمر؟                                                              فقالت و هي لا تفتأ تلتفت وراءها في كل وقت و حين: هناك أشخاص يلاحقونني منذ أن نزلت من الحافلة، و ما أراهم إلا يريدون مني شرا.                                                                                              فأجابها بنبرة المطمئن: لا تخافي، فلن أدع مكروها يصيبك مهما حدث، و أنا أعني ما أقول. فلم تهدأ الفتاة حتى تراءى لها الأشخاص الذين كاننوا يطاردونها يتوقفون من بعيد، ثم يعودون أدراجهم ليختفوا وراء أستار الليل. ثم التفتت إلى ياسر، و ابتسمت ابتسامة رقيقة ممزوجة بالخوف أوقعت في قلب ياسر وقعها، ثم طلبت منه بحياء و خجل شديدين: - لا أدري كيف أشكرك يا سيدي على هذا الجميل الذي لن أنساه لك ما حييت،فقلة من يتصرف مثل تصرفك النبيل هذا.                                        فأجابها ياسر هو الآخر، و هو يرتجف من شدة الارتباك: أنا لم أفعل غير الواجب يا سيدتي، و أظن أي شخص آخر سيفعل ما فعلت أو ربما أكثر، فلا داعي إذن للشكر.                                             فتحت الفتاة المظلة التي كانت تحملها بين يديها و غطت بها نفسها و ياسرا و طلبت منه بكل حياء: - هلا سألتك أمرا آخر؟ و أرجو ألا أكون قد ضيعت وقتك و فوت عليم غرضك الذي خرجت من أجله في هذا الجو البارد، و لا أظنك خرجت في مثل هذا الوقت إلا أمر مهم.                                          فأجابها مستبشرا، فقد وجد من يتحدث إليه ليفرج عن نفسه قليلا من وطأة الحزن: - لبيك سيدتي، اطلبي ما شئت، فقد اعتدت الخروج كل ليلة في مثل هذا الوقت لأتمشى قليلا كيفما كانت أحوال الطقس.
... يتبع

الثلاثاء، 16 أبريل 2013


بعض مظاهر الحماية الجنائية للأطفال في القانون المغربي
  يعتبر القانون الجنائي من أهم الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأطفال بما يكفل تكوين شخصيتهم تكوينا سليما و بمنأى عن كل ما يمكن أن يعكر صفو الجو العائلي المناسب لهذا التكوين، و قد تضمن هذا القانون العديد من المواد التي أفرد لها بابا بعنوان:" في الجنايات و الجنح ضد نظام الأسرة و الأخلاق العامة".
  و قد تناولت هذه الحماية الطفل حتى خلال المرحلة التي يكون فيها جنينا، و هكذا فقد عاقب المشرع الجنائي على جريمة الإجهاض بل حتى على محاولتها-ولو كانت جريمة مستحيلة- من خلال الفصل 449 من ق.ج، و لتعزيز حماية حق الجنين في الحياة، فقد عاقب كذلك على التحريض على الإجهاض من خلال الفصل 455 بأي وسيلة من الوسائل المشار إليها في الفصل 449 من ق.ج.
  و حفاظا على أمن الأسرة و استقرارها و تحقيقا للسكن و المودة اللذان ينبغي أن يعيش الطفل في كنفهما، فقد نص الفصل 479 من ق.ج على أنه:                                   " يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة و بالغرامة من 200 إلى 2000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط:                                                                                     1- الأب أو الأم، إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر[1]،لمدة تزيد عن شهرين و تملص من كل أو بعض واجباته المعنوية و المادية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة.                                                                                          و لا ينقطع أجل الشهرين إلا بالرجوع إلى بيت الأسرة رجوعا ينم عن استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية.                                                                           2- الزوج الذي يترك عمدا لأكثر من شهرين و دون موجب قاهر زوجته و هو يعلم أنها حامل"                                                                                             و يظهر من هذا الفصل أن الطفل هو محل الحماية بامتياز حتى و لو كان لا يزال في بطن أمه.
  و استكمالا لحماية حق الطفل في الحياة بعد ولادته، فقد تدخل الفصل 397 من ق.ج ليقر عقوبات صارمة لمن قتل وليدا تصل في صورتها العادية إلى المؤبد و إلى الإعدام إذا اقترنت بإحدى الحالات المنصوص عليها في الفصل 392 و 393 من ق.ج.
  لكن المشرع المغربي ووفق ما يقتضيه مبدأ تفريد العقلب، أخذ بعين الاعتبار بعض الظروف التي قد تدفع الجاني إلى ارتكاب هذه الجريمة البشعة كما هو الحال في قتل الأم لوليدها، و التي تموت فيها عاطفة الأمومة بسبب ضغوط نفسية و اجتماعية، يصبح الطفل معها بالنسبة لها عبئا اجتماعيا تسعى للتخلص منه بشتى الطرق، لذلك ارتأى المشرع الجنائي المغربي تخفيف عقوبة الأم التي تقتل وليدها سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة، إذ تعاقب بالسجن من 5 إلى 10 سنوات.[2]
  و حفاظا على صحة الطفل، فقد تدخل المشرع الجنائي من خلال الفصل 408 ليعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات كل من تعمد حرمان طفل دون الخامسة عشر من عمره من التغذية أو العناية حرمانا يضر بصحته، و يشدد الفصل 411  عقوبة الجاني إذا كان من أصول الطفل أو شخصا مكلفا برعايته لتصبح هي السجن من سنتين إلى خمس و تضاعف هذه العقوبة لتصبح هي الإعدام إذا كان حرمان الطفل من التغذية أو العناية قد ارتكب بهدف إزهاق روحه.
  غير أن ما يلاحظ هنا هو اقتصارالحماية على الطفل دون 15 سنة، الشيء الذي يعارض مقتضيات المادة 54 من م.أ التي ألزمت الأبوين بحماية صحة أبنائهم منذ الحمل إلى سن الرشد و هو 18 سنة، و يبدو أن هذا السن ما هو إلا اقتباس من المادة 15-227 من القانون الجنائي الفرنسي الذي عاقب كل أصل للطفل[3]، أو أي شخص يمارس السلطة الأبوية أو له سلطة على القاصر، يحرم قاصرا أقل من 15 سنة من التغذية أو العلاج قصد الإضرار بصحته ب7 سنوات سجنا و غرامة قدرها 100000 يورو، أما إذا أدى هذا الحرمان إلى موت الطفل، فتتحول الجنحة إلى جناية و تصبح العقوبة هي 30 سنة سجنا.[4]
  ووعيا من المشرع بالحالة الجسمية و النفسية للطفل الذي قد لا يستطيع حماية نفسه من الأخطار التي قد تتهدده، فقد خصص الفصول من 459 إلى 467 لجرائم ترك الأطفال    و تعريضهم للخطر، و هكذا فقد عاقب من خلال الفصل 459 كل من ترك طفلا دون سن الخامسة عشر أو عاجزا لا يستطيع أن يحمي نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية في مكان خال من الناس أو حمل غيره على ذلك، يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى 3 سنوات، كما رفع العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس في حالة حدوث مرض أو عجز تقل مدته عن 20 يوما، و السجن من 5 إلى 10 سنوات في حالة الإصابة ببتر أو عطب أو عاهة مستديمة، و السجن من 10 إلى 20 سنة في حالة موت الطفل.
  كما شدد الفصل 460 هذه العقوبات إذا كان مرتكب هذه الجريمة أحد الأصول أو ممن لهم سلطة على الطفل أو المكلفين برعايته، و قد تصل في أقصاها إلى 30 سنة.
  و تجدر الأشارة إلى أن قانون العقوبات الجزائري يضع مقتضيات شبيهة بنظيره المغربي، حيث نصت المادة 314 في فقرتها الأولى على أنه :" كل من ترك طفلا أو عاجزا غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية أو العقلية أو عرضه للخطر في مكان خال من الناس أو حمل الغير على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى 3 سنوات". أما إذا كانت هناك صلة قرابة بين الجاني و الطفل المتروك و أدى تركه إلى وفاته، فالقانون الجزائري أقر أقصى العقوبات قد تصل في بعض الحالات إلى إعدام الجاني حسب المادة 315 من قانون العقوبات الجزائري[5].
  كما عاقب المشرع الجنائي المغربي على بيع أو شراء الطفل الذي يقل سنه عن 18 سنة بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات و غرامة من خمسة آلاف إلى مليوني درهم[6].
  و حرصا على حماية الطفل من النزعات الشاذة لبعض منعدمي الضمير الذين قد تعميهم غرائزهم الحيوانية عن جادة الصواب، فقد عاقب المشرع كل من سولت له نفسه الاعتداء على أعراض الأطفال وحياتهم الجنسية، فنص من خلال الفصل 484 من ق.ج على معاقبة كل من هتك أو حاول هتك عرض قاصر دون 18 سنة[7]، بدون عنف بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات، أما إذا اقترن بالعنف فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة بمقتضى الفصل 485 من ق.ج، كما عاقب على جريمة الاغتصاب من خلال الفصل 486 من ق.ج.
  و قد شدد الفصل 487 العقوبة على الجناة في الجرائم السابقة الذكر كلما كان الجاني من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها، و ذلك نظرا للثقة المفترض توفرها في هؤلاء الأشخاص و أنهم هم الأولى بحماية الضحية و ليس العكس، و نظرا لكونه لا يحتاجون لاستعمال العنف أو الإكراه لتنفيذ جريمتهم، بل يكفي استغلال ثقة القاصر للوصول إلى غايتهم الخبيثة، لأن الطفل يجد نفسه مرتبطا عاطفيا بالراشد بطريقة لا يمكنه معها رفض تنفيذ رغباته الشاذة، و يبدو أن هذا النوع من الجرائم، أو ما يمكن تسميته بزنا المحارم، أصبح يعرف تطورا مهولا داخل الأسر.
  غير أن الملاحظ هنا أن القانون لم يعاقب على زنا المحارم كجريمة مستقلة بذاتها على الرغم من التطور المهول الذي تعرفه هذه الظاهرة، بل جعلها منها ظرفا مشددا، و الحال أنه يتعين جعلها جريمة و إفراد عقوبات رادعة لها.
  و بالنسبة للقانون الفرنسي، و منذ قانون 8 فبراير 2010، و سع من دائرة الأشخاص incesteالمرتكبين للاعتداء الجنسي ليمكن إدراج هذا النوع في زمرة جرائم زنا المحارم
حيث يمكن اعتبارها كذلك إذا ارتكبت " داخل الأسرة على قاصر من طرف أحد الأصول أو الأخ أو الأخت أو أي شخص آخر، و أيضا من يوجد في معاشرة حرة مع عضو من أعضاء الأسرة، و الذي له على الضحية سلطة قانونية أو فعلية[8]"، كما أنه لو ارتكب هذه الجريمة شخص يتمتع بالسلطة الأبوية على القاصر فإنه يتم تجريده من كليا أو جزئيا من هذه السلطة.
  مما سبق يتبين مدى العناية التي أولاها المشرع الجنائي المغربي لحماية الأطفال من كل ما يمكن أن يتهددهم، سواء في كنف أسرهم أو خارجها، بكيفية تنسجم مع ما جاء به الدستور الجديد من فلسفة تروم النهوض بأوضاع فئة الصغار و الشباب.


 لم يحدد الفصل مفهوم الموجب القاهر و هو بذلك يخضع في تقديره للسلطة التقديرية للقاضي حسب الظروف [1]
و الملابسات المحيطة بكل نازلة.
 لم يتم التحديد ما إذا كان أصلا شرعيا أو طبيعيا أو بالتبني،  و ذلك منذ الأمر رقم 759-2005 الصادر في4 يوليوز[3]
2005.
[4] Pierre Murat , droit de la famille, Dalloz, 5ème édition, 2010, p 1449.
 المادة 1-467 من القانون الجنائي.[6]
 بالإضافة إلى القاصر يورد ذات الفصل أي عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية.[7]
[8] L’atteinte sexuelle est qualifiée d’incestueuse si elle est commise «  au sein de la famille sur la personne d’un mineur par un ascendant, un  frère, une sœur ou toute autre personne, y compris s’il s’agit d’un concubin d’un membre de la famille, ayant sur la victime autorité de droit ou de fait »(c .pénal, art.227-27-2) .
Pierre Murant, référence précédente, p 1452.

الاثنين، 15 أبريل 2013

$دور المجتمع المدني في النهوض بأوضاع الأسرة المغربية


 مساهمة المجتمع المدني في النهوض بأوضاع الأسرة المغربية 
    إذا كان الدستور المغربي الجديد، و كما سبق القول، قد خول منظمات و هيئات المجتمع المدني صلاحيات واسعة في مجال التشريع و إعداد السياسات العمومية بشراكة مع أجهزة الدولة، فإن هذا لا يعني غياب أي دور فاعل للمجتمع المدني في الماضي، بل على العكس تماما، كثيرا ما كان للنضالات التي خاضتها مجموعة من الجمعيات الدور الحاسم في تعديل العديد من القوانين. و بديهي أن يكون مجال الاسرة من بين المجالات المهمة التي أدلت فيها جمعيات المجتمع المدني، و لاسيما الجمعيات النسائية، بدلوها مطالبة بإنصاف النساء ورفع الظلم عنهن، و حماية حقوق الطفل وغيرها من المطالب المرتبطة بحقوق الأسرة، و كل ذلك في إطار تشاركي مع مؤسسات الدولة المعنية بقضايا حقوق الانسان، ومن أهم المحطات البارزة التي عرفت مشاركة فعالة للجمعيات النسائية نجد[1] :
-الإعداد لمشروع "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" الذي عرف مشاركة           و استشارة مجموعة من الجمعيات النسائية، مما جعلها معبرة عن مختلف المطالب النسائية.
-عملية إعداد التقارير الدولية الخاصة بإعمال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، و أهداف الألفية للتنمية، حيث تعرف هذه العملية مشاركة الجمعيات النسائية خاصة، و جمعيات المجتمع المدني عامة.
-الاستراتيجيات التي تم إعدادها من طرف الحكومة تمت بشكل تشاوري مع الجمعيات النسائية، وخاصة الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة، و الاستراتيجية الوطنية من أجل الإنصاف و المساواة بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات        و برامج التنمية.
   وغير خاف الدور الكبير الذي لعبته الجمعيات النسائية في سيرورة تعديل مدونة الأحوال الشخصية و ميلاد مدونة الأسرة، حيث شكلت مدونة الأحوال الشخصية مركز اهتمام الحركة النسائية، إذ اعتبرتها تحديا يقتضي جعلها قضية المجتمع بكل مكوناته، و بالفعل استطاعت الحركة أن تتحول إلى قوة ضاغطة واسعة منخرطة في سيرورة النضال لتتوج مسيرتها النضالية حول قضية مدونة الأحوال الشخصية بالتغيير الذي يرضي طموحاتها   و يحقق العديد من مطالبها، و إن كانت المرأة لا تزال تطمح إلى العديد من المطالب الاخرى التي تجد سندها في الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق المرأة[2]، كما كان لها دور فاعل في بعض التعديلات الأخرى كتعديل قانون الجنسية و قانون الشغل و غيرها.
  و من المسلم به أن المجتمع المدني ينبغي أن يصبح أكثر فاعلية في مجال حقوق الأسرة، و أن يستغل الامتيازات التي منحها إياه الدستور الجديد، خاصة أمام التحولات التي عرفها و لا يزال يعرفها واقع الأسرة المغربية و الهجمات الأخلاقية التي يتعرض لها، و أمام عدم كفاية الحماية الدستورية لهذه المؤسسة.
   و مادام الفصل 32 من الدستور قد حمل الدولة مسؤولية ضمان الحماية الحقوقية         و الاجتماعية و الاقتصادية للأسرة بشكل يضمن الحفاظ على وحدتها و استقرارها، وذلك بمقتضى القانون، بالإضافة الى توفير الحماية القانونية و الاعتبار الاجتماعي و المعنوي لجميع الاطفال مهما كانت وضعيتهم العائلية، ومادام الدستور قد جعل من منظمات المجتمع المدني شريكا فاعلا للدولة و مؤسساتها، تضطلع بمهام تسيير الشأن العام و اقتراح ملتمسات متعلقة بالتشريع، فانها تصبح معنية، وقبل أي وقت مضى، بالانخراط الجدي     و الفعال في استكمال مسيرة الإصلاح القانوني بما يساهم بالنهوض بأوضاع الاسرة المغربية و حمايتها، خاصة و أن هذه المنظمات هي الأكثر اطلاعا على المشاكل التي تعاني منها الأسر، من قبيل العنف الزوجي و العنف ضد الأطفال، و التحايلات التي تقع من طرف بعض الأزواج على بعض المساطر القانونية لتحقيق مآرب لا يمكنهم بلوغها بطرق قانونية، وإشكال زواج القاصرات و التحرش الجنسي و زنا المحارم و غيرها من الاشكالات التي تمس كيان الاسرة بشكل مباشر أو غير مباشر.
  وهكذا يمكن أن تضطلع هيئات المجتمع المدني باقتراح مشاريع قوانين جديدة تروم تدعيم حقوق الأسرة أو إصلاح قوانين موجودة سلفا، غير أن ذلك ينبغي أن يتم في إطار ما حدده الدستور، فهذا الاخير كان صريحا في تحديد مفهوم الأسرة بكونها تلك القائمة على علاقة الزواج الشرعي، و اذا كان قد نص على حماية الأطفال مهما كانت وضعيتهم العائلية، فذلك لا يجب أن يفهم على أنه إقرار بالأنماط الأخرى للأسر التي أدت إلى إيجاد هؤلاء الأطفال.
    غير أن الملاحظ أن مطالب العديد من هذه المنظمات تسير عكس الخط الذي رسمه الدستور الجديد، بل و عكس مقومات هويتنا الراسخة و مرجعيتنا الدينية، بدليل تعالي الأصوات المنادية بمجموعة من المطالب المستهجنة كإباحة الاجهاض و عدم تحريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج و المساواة في الارث بين الذكر و الانثى و غيرها من المطالب التي لو تم الاستجابة اليها لكانت وبالا على حاضر و مستقبل الأسرة المغربية. و بالتالي يطرح التساؤل حول مدى قدرة و عزم مثل هذه الجمعيات على توفير الحماية المنشودة للأسرة و الحفاظ على مقوماتها.
  ولعل ذلك يرجع الى منطلقاتها الفكرية و خياراتها الايديوليجية في معالجة المواضيع المرتبطة بالأسرة و التي تستند في الغالب الى فكرالحداثة و ما أرسته المواثيق الحقوقية الدولية من مبادئ تبتعد عن كل ما هو ديني و مقدس. غير أن هذا لا يمنع من وجود منظمات أخرى تنهج منهجا توفيقيا تعالج الإشكالات الأسرية من منظور حداثي دون التنكر للنصوص الدينية المؤطرة لها. وهذا الاختلاف في المرجعيات  هو ما يبرر تعدد هذه المنظمات و تبعثر جهودها في صراعات و تحالفات غالبا ما تعرقل مسيرتها في تحقيق أهدافها[3].
  و حتى يكون لمنظمات المجتمع المدني ذلك الدور الريادي في تحسين وضعية الأسرة المغربية، ينبغي أن تعمل على تذويب الفوارق في الإديولوجيات و التركيز على المشاكل الحقيقية و الأكثر إلحاحا التي تنخر جسد الأسرة المغربية، و التفكير في إيجاد حلول قانونية لتلك المشاكل، و إظهار البعد الوطني للمطالب المطروحة و التقليل من إحالتها على الهيئات الدولية الذي يبدو أنه قد أصبح خطابا مستهلكا و غير مجد خاصة لدى المواطنين بفعل الصراعات الدولية و فقدان الثقة في تلك الهيئات، بالإضافة إلى العمل على تقوية الاتحادات بين منظمات المجتمع المدني.
  هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يمكن أن يكزن لمنظمات المجتمع المدني دور لا يستهان به في إخراج القانون التنظيمي للمجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة إلى حيز الوجود، وذلك عن طريق عقد الندوات و اللقاءات لتدارس تشكيلته و أهدافه و استراتيجية عمله[4]،   و قد أفادت الأستاذة رجاء ناجي مكاوي خلال ندوة نظمت في إطار اليوم الختامي لفعاليات الدورة 18 للمعرض الدولي للنشر و الكتاب في موضوع " موقع الأسرة في الدستور الجديد، المؤسسات القانونية، أية آليات و أية معايير" :" أن المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة سيكون مجمعا لكل القوى الحية في المجتمع التي يتعين أن تساهم في تحديد معالمه و تفرض حضورها على مستوى تركيبته[5]"، كما يجب أن تكون مساهمة المجتمع المدني فعالة في إطار عمل هذا المجلس الذي ينتظر منه الرقي بأوضاع الأسرة والطفولة.



 يمكن القول أن هذه المطالب تنقسم إلى شقين:[2]
-الشق الأول و يتعلق بحقوق المرأة أثناء قيام الحياة الزوجية و يمكن تلخيصها في:
1 المساواة بين الرجل و المرأة.
2 حذف قوامة الرجل على المرأة.
3 حذف التمييز بين الذكر و الأنثى في الإرث.
4 إعادة النظر في توثيق الزواج.
5 حذف الولي كشرط صحة في عقد الزواج.
6 رفع سن الأهلية للزواج.
7 منع تعدد الزوجات.
-الشق الثاني يتعلق بالطلاق و نتائجه و يمكن تلخيصه في:
1جعل الطلاق بيد الرجل و المرأة و القاضي، و إعادة النظر في مسطرة التطليق.
2 حق المطلقة في التعويض عن الضرر، و حقها في السكن.
3 مراجعة مسطرة تحديد نفقة الاولاد بعد الطلاق.
4 مراجعة قواعد و شروط الحضانة، و منح المرأة الحاضنة حق الاحتفاظ ببيت الزوجية.
5 إصدار تشريع يعترف للمرأة العاملة بحق الحصول عند الطلاق  على  رصيدها من المال المتحصل أثناء قيام الزوجية.

  الإلكتروني  عبد العزيز جسوس، دور منظمات المجتمع المدني في نهوض المرأة في البلدان العربية، عن الموقع [3]
www.arab-hdr.org
 من بين تلك الندوات الندوة الدولية حول المجالس الوطنية للأسرة و الطفولة و التي نظمها المجلس الوطني لحقوق [4]
الإنسان يومي 27و28 يناير 2012 و شاركت فيه العديد من الجمعيات بينما قاطعته أخرى.
 عزيزة الزعلي، جمعية الحضن تتدارس أهداف و تركيبة المجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة، الموقع الإلكتروني[5]
www.alislah.ma

 تأثير العولمة على تماسك النسيج الأسري
  لا يجادل أحد في الدور الكبير الذي لعبته العولمة في حياة مختلف الشعوب[1]،و ذلك سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية، كما أن واقع الأسر لم يسلم بدوره من تأثيرات هذا المفهوم، و من ضمنها الأسرة المغربية.
  و إذا كانت للعولمة أدوار إيجابية على الأسر المغربية تتجلى في عدة نقط :                 - دخول التكنولوجيا الجديدة إلى أغلب البيوت كالأنترنت ساهم بشكل كبير في إنماء الذكاء لدى أفراد الأسرة و كذا التعرف على ثقافات العالم المختلفة.                                    – بروز الفكر التضامني للعولمة أدى إلى بروز تكتلات اقتصادية ساهمت في نماء الأسر عن طريق ظهور أنماط  متعددة للتعاون ما بين الأسر كالتعاونيات و التعاضديات           والجمعيات.                                                                                          – انتشار القيم الديمقراطية مما أدى بالدولة إلى الانضمام لعدة اتفاقيات لحماية الطفل    و المرأة و الفئات المستضعفة داخل المجتمع، و بالتالي تحقيق التنمية الإنسانية، و بناء أسر تعرف ما لها و ما عليها.
  فإنه و بالرغم من ذلك، فإن سلبياتها أكثر بكثير من إيجابياتها، فالأسرة المغربية تتعرض لجملة من التحديات و الأخطار بسبب التحولات المتسارعة التي تتزامن مع سرعة وتيرة العولمة و ما أدت إليه من الانفتاح على الثقافة الغربية بصفة خاصة[2]، نتيجة لاتساع نطاق الثورة التكنولوجية و الاتصالية و المعلوماتية التي أتاحت مجالا رحبا لتسلل تأثيرات هذه الثقافة على واقع المجتمع العربي عامة، والمغربي خاصة، و قد انعكست سلبيات هذا الانفتاح على نسيج الأسرة، ما جعلها تفقد بشكل تدريجي خيوط تماسكها ووحدتها، و أثر على مستوى أدائها لمسؤولياتها و الاضطلاع بدورها كأحد أهم مؤسسات التنمية الاجتماعية، مما جعل أطفال و شباب هذا المجتمع عرضة للاستلاب، و فريسة سهلة لغول العولمة[3]، بالإضافة إلى تأثيرها على مستوى القيم داخل الأسر[4].
   فدخول الأنترنت مثلا إلى أغلب البيوت المغربية قد أثر على العلاقات الأسرية بحيث أصبح الشغل الشاغل للأطفال، الشيء الذي أدى من جهة إلى انشغالهم عن الدراسة         و عزوفهم عن قراءة الكتب و بالتالي بناء أسر فاشلة تعليميا، و من جهة أخرى خروج الرقابة الأسرية من يد الآباء و انقطاع الأواصر الوجدانية بين الآباء و الأبناء، وبين الأبناء بعضهم ببعض، حيث أن الوقت الذي يمضيه الطفل أمام شاشة الحاسوب يفوق بكثير الوقت الذي يمضيه رفقة الأبوين، الشيء الذي يجعل الوظيفة الوجدانية للأسرة شبه معطلة        و يساهم في تفكيك الأسر و تدمير وحدتها[5]، و هذا ما يسمح ، ومن جهة ثالثة، و لعل هذا هو أخطر ما في الأمر، بتسرب عادات و تقاليد غريبة عن ثقافتنا، و أفكار مستوردة قد تصيب النسيج الأسري في مقتل.
   و لعل الإعلام، و خاصة المرئي، يلعب دورا لا يستهان به في تمرير أنماط سلوكية      و ثقافية شاذة غريبة عن مجتمعنا، و يبدو أن دور الإعلام السلبي أصبح يتقوى يوما بعد يوم، و أكبر دليل هو ما نراه من مسلسلات مستوردة تحمل في طياتها سموما وسلوكيات مهدمة لقيمنا و مخالفة لمرجعيتنا الدينية و التي زادت ترجمتها إلى الدارجة أو لهجات دول عربية من خطورة الاستلاب الذي تحدثه في مجتمعنا، حيث يتم الترويج للعلاقات الحرة خارج إطار الزواج، و مظاهر المساواة المطلقة بين الرجل و المرأة، بالإضافة إلى قطع العلاقات بين الآباء و الأبناء و استقلال الفتاة عن الرقابة الأسرية بمجرد بلوغها سن الرشد و غيرها من الأفكار و السلوكات التي لا تمت لواقعنا بصلة، و التي و للأسف أصبحت تغزو الأسر المغربية و تهدد وحدتها و استقرارها.
  أما شبابنا جيل المستقبل و حامل المشعل، فجلهم غافلون عما يهم بلدهم و ما يجري في العالم، مستلبون ببرامج سطحية لا يخرجون منها إلا بتقليد فنان أو مطرب في حركاته      و لباسه، و فتياتنا غارقات في بحر التقليد للألبسة و الزينة والسلوكات الأخرى  المستوردة.[6]
  و إذا كان دستور 2011 قد اعترف بالأسرة القائمة على الزواج الشرعي، بما يحمله هذا المفهوم من قيم و مبادئ و قواعد مستمدة من ديننا الحنيف و يتماشى مع ثقافتنا الأصيلة، فإنه على الإعلام أن يقوم بدور إيجابي بما يساهم في تدعيم هذه المؤسسة المجتمعية لا أن يساهم في تدميرها.


 ) بأنه :" توسيع مجال النشاط الذي يتم عادة في المجال Globalisationيمكن تعريف مفهوم العولمة (بالإنجليزية [1]
 الوطني أو القومي، ليصبح العالم كله مجالا له"
 و في هذا الإطاريقول المهدي المنجرة:" ...إننا نعيش تحت وطأة الحداثة الغربية التي تفرض علينا نموذجها باسم  [2]
العولمة و تسلب منا حق التفكير و النظر والاختيار.
 لذلك حاربت و ما زلت أحارب أسطورة العولمة، لعجرفتها الفكرية باعتبارها وسيلة للاحتكار و الاستعمار ووسيلة تدمير لبلدان العالم الثالث. إذا أرفض أن يأتي أيا كان ليفرض علينا ثقافته و نموذجه باسم العولمة..."
-المهدي المنجرة، حوار التواصل: من أجل مجتمع معرفي عادل، مطبعة النجاح الحديثة، الطبعة الحادية عشرة، 2005، ص 118
 فتيحة الشافعي، مقال بعنوان :" الإعلام : أي دور في قضايا الأسرة؟"، منشور بالموقع الإلكتروني[3]
www.marocdroit.com
 يرى سعيد بنسعيد العلوي أن العولمة تؤثر على مسألة القيم لكونها تستدعي النزوع إلى محو الفوارق الثقافية و الهوية[4]
المميزة في مقابل نموذج ثقافي وحيد و سلم واحد من القيم الثقافية.
سعيد بنسعيد العلوي، الأسرة و القيم في عالم اليوم، مقال منشور بمجلة "مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية"، الدورة الربيعية لسنة 2001 بعنوان "أزمة القيم و دور الأسرة في تطور المجتمع المعاصر"، سنة 2001، ص 308
 يرى أناتولي أندري كروميكو أن تشكيلات الأسرة و المجتمع في الوقت الحالي تعيش تأثير أشكال السلوك و القيم [5]
الحديثة حيث أضحى المجتمع يتسم بنوع من التحرر والليبرالية فقدت فيه الأسرة الرقابة على الأطفال.
أناتولي أندري كروميكو، الأسرة الإنسانية في مفترق الطرق: هل سيضمن لها البقاء؟، مجلة أكاديمية المملكة المغربية، مرجع سابق، ص 399
 فتيحة الشافعي، الإعلام: أي دور في قضايا الأسرة، مرجع سابق[6]