تأثير العولمة على تماسك
النسيج الأسري
لا يجادل أحد في الدور الكبير الذي لعبته
العولمة في حياة مختلف الشعوب[1]،و
ذلك سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية، كما أن
واقع الأسر لم يسلم بدوره من تأثيرات هذا المفهوم، و من ضمنها الأسرة المغربية.
و إذا كانت للعولمة أدوار إيجابية على الأسر
المغربية تتجلى في عدة نقط : - دخول التكنولوجيا الجديدة إلى أغلب البيوت كالأنترنت ساهم بشكل كبير في
إنماء الذكاء لدى أفراد الأسرة و كذا التعرف على ثقافات العالم المختلفة. – بروز
الفكر التضامني للعولمة أدى إلى بروز تكتلات اقتصادية ساهمت في نماء الأسر عن طريق
ظهور أنماط متعددة للتعاون ما بين الأسر
كالتعاونيات و التعاضديات والجمعيات.
– انتشار القيم الديمقراطية مما أدى بالدولة إلى الانضمام لعدة اتفاقيات
لحماية الطفل و المرأة و الفئات
المستضعفة داخل المجتمع، و بالتالي تحقيق التنمية الإنسانية، و بناء أسر تعرف ما
لها و ما عليها.
فإنه و بالرغم من ذلك، فإن سلبياتها أكثر بكثير
من إيجابياتها، فالأسرة المغربية تتعرض لجملة من التحديات و الأخطار بسبب التحولات
المتسارعة التي تتزامن مع سرعة وتيرة العولمة و ما أدت إليه من الانفتاح على
الثقافة الغربية بصفة خاصة[2]،
نتيجة لاتساع نطاق الثورة التكنولوجية و الاتصالية و المعلوماتية التي أتاحت مجالا
رحبا لتسلل تأثيرات هذه الثقافة على واقع المجتمع العربي عامة، والمغربي خاصة، و
قد انعكست سلبيات هذا الانفتاح على نسيج الأسرة، ما جعلها تفقد بشكل تدريجي خيوط
تماسكها ووحدتها، و أثر على مستوى أدائها لمسؤولياتها و الاضطلاع بدورها كأحد أهم
مؤسسات التنمية الاجتماعية، مما جعل أطفال و شباب هذا المجتمع عرضة للاستلاب، و
فريسة سهلة لغول العولمة[3]،
بالإضافة إلى تأثيرها على مستوى القيم داخل الأسر[4].
فدخول الأنترنت مثلا إلى أغلب البيوت المغربية
قد أثر على العلاقات الأسرية بحيث أصبح الشغل الشاغل للأطفال، الشيء الذي أدى من
جهة إلى انشغالهم عن الدراسة و
عزوفهم عن قراءة الكتب و بالتالي بناء أسر فاشلة تعليميا، و من جهة أخرى خروج
الرقابة الأسرية من يد الآباء و انقطاع الأواصر الوجدانية بين الآباء و الأبناء،
وبين الأبناء بعضهم ببعض، حيث أن الوقت الذي يمضيه الطفل أمام شاشة الحاسوب يفوق
بكثير الوقت الذي يمضيه رفقة الأبوين، الشيء الذي يجعل الوظيفة الوجدانية للأسرة
شبه معطلة و يساهم في تفكيك الأسر و
تدمير وحدتها[5]، و هذا
ما يسمح ، ومن جهة ثالثة، و لعل هذا هو أخطر ما في الأمر، بتسرب عادات و تقاليد
غريبة عن ثقافتنا، و أفكار مستوردة قد تصيب النسيج الأسري في مقتل.
و لعل الإعلام، و خاصة المرئي، يلعب دورا لا
يستهان به في تمرير أنماط سلوكية و
ثقافية شاذة غريبة عن مجتمعنا، و يبدو أن دور الإعلام السلبي أصبح يتقوى يوما بعد
يوم، و أكبر دليل هو ما نراه من مسلسلات مستوردة تحمل في طياتها سموما وسلوكيات
مهدمة لقيمنا و مخالفة لمرجعيتنا الدينية و التي زادت ترجمتها إلى الدارجة أو
لهجات دول عربية من خطورة الاستلاب الذي تحدثه في مجتمعنا، حيث يتم الترويج
للعلاقات الحرة خارج إطار الزواج، و مظاهر المساواة المطلقة بين الرجل و المرأة،
بالإضافة إلى قطع العلاقات بين الآباء و الأبناء و استقلال الفتاة عن الرقابة
الأسرية بمجرد بلوغها سن الرشد و غيرها من الأفكار و السلوكات التي لا تمت لواقعنا
بصلة، و التي و للأسف أصبحت تغزو الأسر المغربية و تهدد وحدتها و استقرارها.
أما شبابنا جيل المستقبل و حامل المشعل، فجلهم غافلون
عما يهم بلدهم و ما يجري في العالم، مستلبون ببرامج سطحية لا يخرجون منها إلا
بتقليد فنان أو مطرب في حركاته و
لباسه، و فتياتنا غارقات في بحر التقليد للألبسة و الزينة والسلوكات الأخرى المستوردة.[6]
و إذا كان دستور 2011 قد اعترف بالأسرة القائمة
على الزواج الشرعي، بما يحمله هذا المفهوم من قيم و مبادئ و قواعد مستمدة من ديننا
الحنيف و يتماشى مع ثقافتنا الأصيلة، فإنه على الإعلام أن يقوم بدور إيجابي بما
يساهم في تدعيم هذه المؤسسة المجتمعية لا أن يساهم في تدميرها.
) بأنه :" توسيع مجال النشاط الذي يتم عادة في المجال Globalisationيمكن تعريف مفهوم العولمة (بالإنجليزية [1]
الوطني أو القومي، ليصبح العالم كله مجالا له"
و في هذا الإطاريقول المهدي المنجرة:"
...إننا نعيش تحت وطأة الحداثة الغربية التي تفرض علينا نموذجها باسم [2]
العولمة و تسلب منا حق التفكير و النظر والاختيار.
لذلك حاربت و ما زلت أحارب
أسطورة العولمة، لعجرفتها الفكرية باعتبارها وسيلة للاحتكار و الاستعمار ووسيلة
تدمير لبلدان العالم الثالث. إذا أرفض أن يأتي أيا كان ليفرض علينا ثقافته و
نموذجه باسم العولمة..."
-المهدي المنجرة، حوار التواصل: من أجل مجتمع معرفي عادل، مطبعة
النجاح الحديثة، الطبعة الحادية عشرة، 2005، ص 118
www.marocdroit.com
يرى سعيد بنسعيد العلوي أن العولمة تؤثر على
مسألة القيم لكونها تستدعي النزوع إلى محو الفوارق الثقافية و الهوية[4]
المميزة في مقابل نموذج ثقافي وحيد و سلم واحد من القيم الثقافية.
سعيد بنسعيد العلوي، الأسرة و القيم في عالم اليوم، مقال منشور بمجلة
"مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية"، الدورة الربيعية لسنة 2001 بعنوان
"أزمة القيم و دور الأسرة في تطور المجتمع المعاصر"، سنة 2001، ص 308
يرى أناتولي أندري كروميكو أن تشكيلات الأسرة و
المجتمع في الوقت الحالي تعيش تأثير أشكال السلوك و القيم [5]
الحديثة حيث أضحى المجتمع يتسم بنوع من التحرر والليبرالية فقدت فيه
الأسرة الرقابة على الأطفال.
أناتولي أندري كروميكو، الأسرة الإنسانية في مفترق الطرق: هل سيضمن
لها البقاء؟، مجلة أكاديمية المملكة المغربية، مرجع سابق، ص 399
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق