الاثنين، 15 أبريل 2013


 تأثير العولمة على تماسك النسيج الأسري
  لا يجادل أحد في الدور الكبير الذي لعبته العولمة في حياة مختلف الشعوب[1]،و ذلك سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية أو السياسية، كما أن واقع الأسر لم يسلم بدوره من تأثيرات هذا المفهوم، و من ضمنها الأسرة المغربية.
  و إذا كانت للعولمة أدوار إيجابية على الأسر المغربية تتجلى في عدة نقط :                 - دخول التكنولوجيا الجديدة إلى أغلب البيوت كالأنترنت ساهم بشكل كبير في إنماء الذكاء لدى أفراد الأسرة و كذا التعرف على ثقافات العالم المختلفة.                                    – بروز الفكر التضامني للعولمة أدى إلى بروز تكتلات اقتصادية ساهمت في نماء الأسر عن طريق ظهور أنماط  متعددة للتعاون ما بين الأسر كالتعاونيات و التعاضديات           والجمعيات.                                                                                          – انتشار القيم الديمقراطية مما أدى بالدولة إلى الانضمام لعدة اتفاقيات لحماية الطفل    و المرأة و الفئات المستضعفة داخل المجتمع، و بالتالي تحقيق التنمية الإنسانية، و بناء أسر تعرف ما لها و ما عليها.
  فإنه و بالرغم من ذلك، فإن سلبياتها أكثر بكثير من إيجابياتها، فالأسرة المغربية تتعرض لجملة من التحديات و الأخطار بسبب التحولات المتسارعة التي تتزامن مع سرعة وتيرة العولمة و ما أدت إليه من الانفتاح على الثقافة الغربية بصفة خاصة[2]، نتيجة لاتساع نطاق الثورة التكنولوجية و الاتصالية و المعلوماتية التي أتاحت مجالا رحبا لتسلل تأثيرات هذه الثقافة على واقع المجتمع العربي عامة، والمغربي خاصة، و قد انعكست سلبيات هذا الانفتاح على نسيج الأسرة، ما جعلها تفقد بشكل تدريجي خيوط تماسكها ووحدتها، و أثر على مستوى أدائها لمسؤولياتها و الاضطلاع بدورها كأحد أهم مؤسسات التنمية الاجتماعية، مما جعل أطفال و شباب هذا المجتمع عرضة للاستلاب، و فريسة سهلة لغول العولمة[3]، بالإضافة إلى تأثيرها على مستوى القيم داخل الأسر[4].
   فدخول الأنترنت مثلا إلى أغلب البيوت المغربية قد أثر على العلاقات الأسرية بحيث أصبح الشغل الشاغل للأطفال، الشيء الذي أدى من جهة إلى انشغالهم عن الدراسة         و عزوفهم عن قراءة الكتب و بالتالي بناء أسر فاشلة تعليميا، و من جهة أخرى خروج الرقابة الأسرية من يد الآباء و انقطاع الأواصر الوجدانية بين الآباء و الأبناء، وبين الأبناء بعضهم ببعض، حيث أن الوقت الذي يمضيه الطفل أمام شاشة الحاسوب يفوق بكثير الوقت الذي يمضيه رفقة الأبوين، الشيء الذي يجعل الوظيفة الوجدانية للأسرة شبه معطلة        و يساهم في تفكيك الأسر و تدمير وحدتها[5]، و هذا ما يسمح ، ومن جهة ثالثة، و لعل هذا هو أخطر ما في الأمر، بتسرب عادات و تقاليد غريبة عن ثقافتنا، و أفكار مستوردة قد تصيب النسيج الأسري في مقتل.
   و لعل الإعلام، و خاصة المرئي، يلعب دورا لا يستهان به في تمرير أنماط سلوكية      و ثقافية شاذة غريبة عن مجتمعنا، و يبدو أن دور الإعلام السلبي أصبح يتقوى يوما بعد يوم، و أكبر دليل هو ما نراه من مسلسلات مستوردة تحمل في طياتها سموما وسلوكيات مهدمة لقيمنا و مخالفة لمرجعيتنا الدينية و التي زادت ترجمتها إلى الدارجة أو لهجات دول عربية من خطورة الاستلاب الذي تحدثه في مجتمعنا، حيث يتم الترويج للعلاقات الحرة خارج إطار الزواج، و مظاهر المساواة المطلقة بين الرجل و المرأة، بالإضافة إلى قطع العلاقات بين الآباء و الأبناء و استقلال الفتاة عن الرقابة الأسرية بمجرد بلوغها سن الرشد و غيرها من الأفكار و السلوكات التي لا تمت لواقعنا بصلة، و التي و للأسف أصبحت تغزو الأسر المغربية و تهدد وحدتها و استقرارها.
  أما شبابنا جيل المستقبل و حامل المشعل، فجلهم غافلون عما يهم بلدهم و ما يجري في العالم، مستلبون ببرامج سطحية لا يخرجون منها إلا بتقليد فنان أو مطرب في حركاته      و لباسه، و فتياتنا غارقات في بحر التقليد للألبسة و الزينة والسلوكات الأخرى  المستوردة.[6]
  و إذا كان دستور 2011 قد اعترف بالأسرة القائمة على الزواج الشرعي، بما يحمله هذا المفهوم من قيم و مبادئ و قواعد مستمدة من ديننا الحنيف و يتماشى مع ثقافتنا الأصيلة، فإنه على الإعلام أن يقوم بدور إيجابي بما يساهم في تدعيم هذه المؤسسة المجتمعية لا أن يساهم في تدميرها.


 ) بأنه :" توسيع مجال النشاط الذي يتم عادة في المجال Globalisationيمكن تعريف مفهوم العولمة (بالإنجليزية [1]
 الوطني أو القومي، ليصبح العالم كله مجالا له"
 و في هذا الإطاريقول المهدي المنجرة:" ...إننا نعيش تحت وطأة الحداثة الغربية التي تفرض علينا نموذجها باسم  [2]
العولمة و تسلب منا حق التفكير و النظر والاختيار.
 لذلك حاربت و ما زلت أحارب أسطورة العولمة، لعجرفتها الفكرية باعتبارها وسيلة للاحتكار و الاستعمار ووسيلة تدمير لبلدان العالم الثالث. إذا أرفض أن يأتي أيا كان ليفرض علينا ثقافته و نموذجه باسم العولمة..."
-المهدي المنجرة، حوار التواصل: من أجل مجتمع معرفي عادل، مطبعة النجاح الحديثة، الطبعة الحادية عشرة، 2005، ص 118
 فتيحة الشافعي، مقال بعنوان :" الإعلام : أي دور في قضايا الأسرة؟"، منشور بالموقع الإلكتروني[3]
www.marocdroit.com
 يرى سعيد بنسعيد العلوي أن العولمة تؤثر على مسألة القيم لكونها تستدعي النزوع إلى محو الفوارق الثقافية و الهوية[4]
المميزة في مقابل نموذج ثقافي وحيد و سلم واحد من القيم الثقافية.
سعيد بنسعيد العلوي، الأسرة و القيم في عالم اليوم، مقال منشور بمجلة "مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية"، الدورة الربيعية لسنة 2001 بعنوان "أزمة القيم و دور الأسرة في تطور المجتمع المعاصر"، سنة 2001، ص 308
 يرى أناتولي أندري كروميكو أن تشكيلات الأسرة و المجتمع في الوقت الحالي تعيش تأثير أشكال السلوك و القيم [5]
الحديثة حيث أضحى المجتمع يتسم بنوع من التحرر والليبرالية فقدت فيه الأسرة الرقابة على الأطفال.
أناتولي أندري كروميكو، الأسرة الإنسانية في مفترق الطرق: هل سيضمن لها البقاء؟، مجلة أكاديمية المملكة المغربية، مرجع سابق، ص 399
 فتيحة الشافعي، الإعلام: أي دور في قضايا الأسرة، مرجع سابق[6]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق