الثلاثاء، 16 أبريل 2013


بعض مظاهر الحماية الجنائية للأطفال في القانون المغربي
  يعتبر القانون الجنائي من أهم الضمانات التي تكفل حماية حقوق الأطفال بما يكفل تكوين شخصيتهم تكوينا سليما و بمنأى عن كل ما يمكن أن يعكر صفو الجو العائلي المناسب لهذا التكوين، و قد تضمن هذا القانون العديد من المواد التي أفرد لها بابا بعنوان:" في الجنايات و الجنح ضد نظام الأسرة و الأخلاق العامة".
  و قد تناولت هذه الحماية الطفل حتى خلال المرحلة التي يكون فيها جنينا، و هكذا فقد عاقب المشرع الجنائي على جريمة الإجهاض بل حتى على محاولتها-ولو كانت جريمة مستحيلة- من خلال الفصل 449 من ق.ج، و لتعزيز حماية حق الجنين في الحياة، فقد عاقب كذلك على التحريض على الإجهاض من خلال الفصل 455 بأي وسيلة من الوسائل المشار إليها في الفصل 449 من ق.ج.
  و حفاظا على أمن الأسرة و استقرارها و تحقيقا للسكن و المودة اللذان ينبغي أن يعيش الطفل في كنفهما، فقد نص الفصل 479 من ق.ج على أنه:                                   " يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة و بالغرامة من 200 إلى 2000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط:                                                                                     1- الأب أو الأم، إذا ما ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر[1]،لمدة تزيد عن شهرين و تملص من كل أو بعض واجباته المعنوية و المادية الناشئة عن الولاية أو الوصاية أو الحضانة.                                                                                          و لا ينقطع أجل الشهرين إلا بالرجوع إلى بيت الأسرة رجوعا ينم عن استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية.                                                                           2- الزوج الذي يترك عمدا لأكثر من شهرين و دون موجب قاهر زوجته و هو يعلم أنها حامل"                                                                                             و يظهر من هذا الفصل أن الطفل هو محل الحماية بامتياز حتى و لو كان لا يزال في بطن أمه.
  و استكمالا لحماية حق الطفل في الحياة بعد ولادته، فقد تدخل الفصل 397 من ق.ج ليقر عقوبات صارمة لمن قتل وليدا تصل في صورتها العادية إلى المؤبد و إلى الإعدام إذا اقترنت بإحدى الحالات المنصوص عليها في الفصل 392 و 393 من ق.ج.
  لكن المشرع المغربي ووفق ما يقتضيه مبدأ تفريد العقلب، أخذ بعين الاعتبار بعض الظروف التي قد تدفع الجاني إلى ارتكاب هذه الجريمة البشعة كما هو الحال في قتل الأم لوليدها، و التي تموت فيها عاطفة الأمومة بسبب ضغوط نفسية و اجتماعية، يصبح الطفل معها بالنسبة لها عبئا اجتماعيا تسعى للتخلص منه بشتى الطرق، لذلك ارتأى المشرع الجنائي المغربي تخفيف عقوبة الأم التي تقتل وليدها سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة، إذ تعاقب بالسجن من 5 إلى 10 سنوات.[2]
  و حفاظا على صحة الطفل، فقد تدخل المشرع الجنائي من خلال الفصل 408 ليعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات كل من تعمد حرمان طفل دون الخامسة عشر من عمره من التغذية أو العناية حرمانا يضر بصحته، و يشدد الفصل 411  عقوبة الجاني إذا كان من أصول الطفل أو شخصا مكلفا برعايته لتصبح هي السجن من سنتين إلى خمس و تضاعف هذه العقوبة لتصبح هي الإعدام إذا كان حرمان الطفل من التغذية أو العناية قد ارتكب بهدف إزهاق روحه.
  غير أن ما يلاحظ هنا هو اقتصارالحماية على الطفل دون 15 سنة، الشيء الذي يعارض مقتضيات المادة 54 من م.أ التي ألزمت الأبوين بحماية صحة أبنائهم منذ الحمل إلى سن الرشد و هو 18 سنة، و يبدو أن هذا السن ما هو إلا اقتباس من المادة 15-227 من القانون الجنائي الفرنسي الذي عاقب كل أصل للطفل[3]، أو أي شخص يمارس السلطة الأبوية أو له سلطة على القاصر، يحرم قاصرا أقل من 15 سنة من التغذية أو العلاج قصد الإضرار بصحته ب7 سنوات سجنا و غرامة قدرها 100000 يورو، أما إذا أدى هذا الحرمان إلى موت الطفل، فتتحول الجنحة إلى جناية و تصبح العقوبة هي 30 سنة سجنا.[4]
  ووعيا من المشرع بالحالة الجسمية و النفسية للطفل الذي قد لا يستطيع حماية نفسه من الأخطار التي قد تتهدده، فقد خصص الفصول من 459 إلى 467 لجرائم ترك الأطفال    و تعريضهم للخطر، و هكذا فقد عاقب من خلال الفصل 459 كل من ترك طفلا دون سن الخامسة عشر أو عاجزا لا يستطيع أن يحمي نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية في مكان خال من الناس أو حمل غيره على ذلك، يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى 3 سنوات، كما رفع العقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس في حالة حدوث مرض أو عجز تقل مدته عن 20 يوما، و السجن من 5 إلى 10 سنوات في حالة الإصابة ببتر أو عطب أو عاهة مستديمة، و السجن من 10 إلى 20 سنة في حالة موت الطفل.
  كما شدد الفصل 460 هذه العقوبات إذا كان مرتكب هذه الجريمة أحد الأصول أو ممن لهم سلطة على الطفل أو المكلفين برعايته، و قد تصل في أقصاها إلى 30 سنة.
  و تجدر الأشارة إلى أن قانون العقوبات الجزائري يضع مقتضيات شبيهة بنظيره المغربي، حيث نصت المادة 314 في فقرتها الأولى على أنه :" كل من ترك طفلا أو عاجزا غير قادر على حماية نفسه بسبب حالته البدنية أو العقلية أو عرضه للخطر في مكان خال من الناس أو حمل الغير على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى 3 سنوات". أما إذا كانت هناك صلة قرابة بين الجاني و الطفل المتروك و أدى تركه إلى وفاته، فالقانون الجزائري أقر أقصى العقوبات قد تصل في بعض الحالات إلى إعدام الجاني حسب المادة 315 من قانون العقوبات الجزائري[5].
  كما عاقب المشرع الجنائي المغربي على بيع أو شراء الطفل الذي يقل سنه عن 18 سنة بالحبس من سنتين إلى 10 سنوات و غرامة من خمسة آلاف إلى مليوني درهم[6].
  و حرصا على حماية الطفل من النزعات الشاذة لبعض منعدمي الضمير الذين قد تعميهم غرائزهم الحيوانية عن جادة الصواب، فقد عاقب المشرع كل من سولت له نفسه الاعتداء على أعراض الأطفال وحياتهم الجنسية، فنص من خلال الفصل 484 من ق.ج على معاقبة كل من هتك أو حاول هتك عرض قاصر دون 18 سنة[7]، بدون عنف بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات، أما إذا اقترن بالعنف فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة بمقتضى الفصل 485 من ق.ج، كما عاقب على جريمة الاغتصاب من خلال الفصل 486 من ق.ج.
  و قد شدد الفصل 487 العقوبة على الجناة في الجرائم السابقة الذكر كلما كان الجاني من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها أو وصيا عليها أو خادما بالأجرة عندها، و ذلك نظرا للثقة المفترض توفرها في هؤلاء الأشخاص و أنهم هم الأولى بحماية الضحية و ليس العكس، و نظرا لكونه لا يحتاجون لاستعمال العنف أو الإكراه لتنفيذ جريمتهم، بل يكفي استغلال ثقة القاصر للوصول إلى غايتهم الخبيثة، لأن الطفل يجد نفسه مرتبطا عاطفيا بالراشد بطريقة لا يمكنه معها رفض تنفيذ رغباته الشاذة، و يبدو أن هذا النوع من الجرائم، أو ما يمكن تسميته بزنا المحارم، أصبح يعرف تطورا مهولا داخل الأسر.
  غير أن الملاحظ هنا أن القانون لم يعاقب على زنا المحارم كجريمة مستقلة بذاتها على الرغم من التطور المهول الذي تعرفه هذه الظاهرة، بل جعلها منها ظرفا مشددا، و الحال أنه يتعين جعلها جريمة و إفراد عقوبات رادعة لها.
  و بالنسبة للقانون الفرنسي، و منذ قانون 8 فبراير 2010، و سع من دائرة الأشخاص incesteالمرتكبين للاعتداء الجنسي ليمكن إدراج هذا النوع في زمرة جرائم زنا المحارم
حيث يمكن اعتبارها كذلك إذا ارتكبت " داخل الأسرة على قاصر من طرف أحد الأصول أو الأخ أو الأخت أو أي شخص آخر، و أيضا من يوجد في معاشرة حرة مع عضو من أعضاء الأسرة، و الذي له على الضحية سلطة قانونية أو فعلية[8]"، كما أنه لو ارتكب هذه الجريمة شخص يتمتع بالسلطة الأبوية على القاصر فإنه يتم تجريده من كليا أو جزئيا من هذه السلطة.
  مما سبق يتبين مدى العناية التي أولاها المشرع الجنائي المغربي لحماية الأطفال من كل ما يمكن أن يتهددهم، سواء في كنف أسرهم أو خارجها، بكيفية تنسجم مع ما جاء به الدستور الجديد من فلسفة تروم النهوض بأوضاع فئة الصغار و الشباب.


 لم يحدد الفصل مفهوم الموجب القاهر و هو بذلك يخضع في تقديره للسلطة التقديرية للقاضي حسب الظروف [1]
و الملابسات المحيطة بكل نازلة.
 لم يتم التحديد ما إذا كان أصلا شرعيا أو طبيعيا أو بالتبني،  و ذلك منذ الأمر رقم 759-2005 الصادر في4 يوليوز[3]
2005.
[4] Pierre Murat , droit de la famille, Dalloz, 5ème édition, 2010, p 1449.
 المادة 1-467 من القانون الجنائي.[6]
 بالإضافة إلى القاصر يورد ذات الفصل أي عاجز أو معاق أو شخص معروف بضعف قواه العقلية.[7]
[8] L’atteinte sexuelle est qualifiée d’incestueuse si elle est commise «  au sein de la famille sur la personne d’un mineur par un ascendant, un  frère, une sœur ou toute autre personne, y compris s’il s’agit d’un concubin d’un membre de la famille, ayant sur la victime autorité de droit ou de fait »(c .pénal, art.227-27-2) .
Pierre Murant, référence précédente, p 1452.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق