الأحد، 14 أبريل 2013

حقوق الأسرة في الإسلام



حقوق الأسرة في الإسلام
تقديم

   واهم من يقول بأن الحقوق المرتبطة بالأسرة، و لاسيما تلك المتعلقة بالمرأة في علاقتها بالرجل، لم تعرف إلا عن طريق العهود و المواثيق الدولية، و بأن الإسلام لم يعرف هذه الحقوق بل أنه كان مجحفا في حق الطرف الضعيف في العلاقة الأسرية، أي المرأة، و ما ذلك لعمري إلا تحامل على هذا الدين من أولئك المتكالبين عليه سواء من الغرب أو من بني جلدتنا و للأسف.[1]
  و على العموم، فإن الإسلام كان له السبق في تنظيم حياة الأسرة، و حماية المرأة      و انتشالها من وضعية الذل و الهوان التي كانت تعرفها في ظل الأمم و الحضارات السابقة، و كلنا يعرف الوضعية المزرية التي كانت تعرفها في ظل الحضارة الرومانية و اليونانية.
   بل إن حقوق المرأة في الإسلام، لعمري و لمن تأمل جيدا بعيدا عن أي أفكار مسبقة، لهي أوفر و أكثر إنصافا حتى مما هو موجود لدى هذه الدول المنادية بهذه الحقوق، كما أن الإسلام قد أحاط الطفل بعناية فائقة و منحه حقوقا عديدة.
   و أمام كثرة و شساعة الحقوق المرتبطة بالأسرة و التي نص عليها ديننا الحنيف، سأحاول تركيز الحديث عن الحقوق المرتبطة بالمرأة من جهة على اعتبار أنها الأكثر إثارة لحفيظة الدول الغربية(1)، ثم الحقوق المرتبطة بالطفل(2).
الفقرة الأولى : حقوق المرأة في الإسلام
  لعل من أهم ما يجعل الإسلام عرضة لأصابع الاتهام هو مسألة المساواة بين المرأة       و الرجل في إطار الأسرة، فدائما ما ينعت الإسلام بكونه يكرس عدم المساواة بينهما في شتى المجالات، و بـأنه يهضم حقوق المرأة باعتبارها الطرف الضعيف في تلك العلاقة[2]، فهل حقا كان الإسلام مجحفا في حق المرأة؟
  يمكن القول، و باقتناع، أن الإسلام يقوم أساسا على المساواة بين الجميع، ذكورا و إناثا، فقراء و أغنياء، عربا و عجما، إذ يقيم التمييز على أساس واحد و هو التقوى[3].
  و بالنسبة لروابط الأسرة، فالإسلام يقيمها على أساس المساواة الإنسانية بين الجنسين، فكل بشر ذكرا كان أو أنثى هو في نظر الإسلام مخلوق إنساني، له حقوق البشرية كغيره من المخلوقات، حياته مصونة و دمه و ماله و عرضه حرام على الآخرين، و كرامته الإنسانية محفوظة.
   و لكن الإسلام يعرف حقيقة الفطرة الإنسانية السوية و يتماشى معها، يعترف بتكافؤ الجنسين لا بتماثلهما، لأن التماثل ليس حقيقة. و هو لذلك يفرق بينهما في بعض الحقوق     و الواجبات التي تنشأ من اختلاف وظائفهما، بعد أن سوى بينهما في الأمورالأخرى التي تتصل بالإنسان من حيث هو إنسان.[4]
  و في هذا السياق، يعتبر ذ.ادريس حمادي، في معرض حديثه عن الآية الكريمة :" و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف، و للرجال عليهن درجة، و الله عزيز حكيم"[5]، بأنه ليس المراد بالمثل، المثل بأعيان الأشياء و أشخاصها، و إنما المراد أن الحقوق بينهما متبادلة، و أنهما أكفاء، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا و للرجل عمل يقابله، و إن لم يكن مثله في شخصه، فهو مثله في جنسه، فهما متماثلان في الحقوق و الأعمال، كما أنهما متماثلان في الذات و الإحساس و الشعورو العقل، إذ أن كلا منهما بشر تام، له عقل يتفكر في مصالحه و قلب يحب ما يلائمه و يسر به، ويكره ما لا يلائمه و ينفر منه، فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر، و يتخذه عبدا يستذله و يستخدمه في مصالحه، و لاسيما بعد عقد الزوجية و الدخول في الحياة المشتركة التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين الآخر و القيام بحقوقه.[6]
   و لعل هذه المساواة بالمفهوم الإسلامي، و التي يفهمها على ضوء الفطرة الإنسانية       و على ضوء الحقوق و الواجبات الملقاة على عاتق كل من الرجل و المرأة في كنف الأسرة، لا يتقبلها المجتمع الدولي الذي يقيم هذه المساواة على ضوء المواثيق الدولية والتي لا تعير للأدوار المنوطة بكل واحد من الزوجين أي اعتبار.
  و تتمظر أهم مظاهر مساواة المرأة مع الرجل على سبيل المثال لا الحصر:
- المساواة في إجراء عقد الزواج بالرضا و الاختيار : و في ذلك يقول الله تعالى :" و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف"[7]
  و كما يروي ابن عباس: نزلت هذه الآية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها، ثم يبدو له أن يتزوجها و أن يراجعها و تريد ذلك فيمنعها أولياؤها من ذلك.فنهى الله تعالى أن يمنعوها. وبعبارة أخرى لا تزوج المرأة بغير إذنها و رضاها[8]، ففي الحديث عن ابن عباس أن الرسول (صلعم) قال :" الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكرتستأذن في نفسها و إذنها صماتها".
 كما حدث أن فتاة بكرا شكت إلى النبي (صلعم) أن أباها زوجها من غير رضاها فخيرها عليه السلام، فقالت :" قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء".
   فهذه كلها دلائل تبين تمتع المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، بحقها بالرضا بإبرام الزواج أو رفضه، طبعا مع التقيد بأحكام الولاية في الزواج.
 - المساواة في الأهلية القانونية: فلها أهلية وجوب كاملة، كما أن لها أهلية أداء كاملة، لا ينتقص جنسها من أيهما شيئا. كما لا يؤثر الزواج على أي منهما، فهي لها الصلاحية دائما في تلقي الحقوق و التحمل بالالتزامات، و هي تماثل الرجل في الصلاحية لمباشرة ما لها من حقوق و ما عليها من التزامات و إجراء كافة التصرفات القانونية.
  و هي نتيجة لذلك لها ذمة مالية مستقلة لا يؤثر عليها الزواج على النحو الذي ما زالت تعرفه بعض الشرائع الأوروبية.
 - الحق في العمل : فهي تتساوى معه في الحق في العمل و التكسب و تولي الوظائف العامة، فالشريعة الإسلامية لم تفرق بين النساء و الرجال في طلب الرزق و السعي إليه لأن النصوص القرآنية جاءت عامة و مطلقة، كما أن الأحاديث النبوية تؤكد على طلب الرزق الحلال دون تمييز بين الرجل والمرأة، و هكذا نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى :" للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن"[9] و يقول تعالى كذلك :" ومن يعمل من الصالحات من ذكر و أنثى و هو مومن فأولئك يدخلون الجنة"[10]، و غيرها من الآيات والأحاديث التي تحث على العمل دون تمييز بين الذكر و الأنثى.
  فالإسلام لم يمنع المرأة متزوجة أو غير متزوجة في أي عصر من الخروج إلى العمل،   و لنا في صدر الإسلام في عهد الرسول(صلعم) و الخلفاء الراشدين و التابعين أدلة قاطعة على مزاولة المرأة لأعمال جليلة، إذ شاركت في أعمال تعد أصلا من مهمات الرجال، كالمشاركة في الحروب و مواجهة الطغاة جنبا إلى جنب مع الرجال، و كان للمرأة دور طلائعي في رفع راية الإسلام، كما أن المرأة امتهنت مختلف الحرف و المهن المرتبطة بمختلف الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية.[11]
  فهذه أدلة على منح الإسلام للمرأة حقها في العمل على قدم المساواة مع شقيقها الرجل،   و إن كانت بعض الآراء الفقهية تنحو عكس هذا المنحى و تضيق على حق المرأة المشروع في العمل و خاصة إن كانت متزوجة[12]، إلا أنها لا تصمد أمام التيارات و الآراء التي تنادي باعتبار العمل حقا مشتركا بين الناس جميعا بغض النظر عن الجنس، و أن الإسلام لم يقيد هذا الحق إلا بما يحفظ للمرأة صحتها و كرامتها.
- الحق في تضمين الشروط الإرادية في عقد الزواج: لقد منحت شريعتنا الغراء للمرأة الحق في أن تشترط ما تراه من الشروط حسب مصلحتها، و قد ثار خلاف بين الفقهاء حول مدى لزوم هذه الشروط من عدمه[13]، و بعيدا عن النقاش الفقهي يمكن القول أن لنا  في الفقه النوازلي خير مثال على إلزامية الشروط بين الزوجين، فمما جاء في نوازل الونشريسي:"سئل اليازنسني عن امرأة:"شرط لها زوجها في عقد نكاحها معه أنه متى تزوج عليها بغير إذنها ورضاها، فأمرها بيدها طلقة واحدة مملكة ثم أراد بعد مدة أن يتزوج..."
أجاب:"إن تزوج لزمه ما أشهدت به على نفسها..."[14]
كما جاء في نازلة أخرى،"سئل أبو الفضل عياض عن رجل زوج ابنته البكر...وشرط...أن لا يضر لها في نفسها، ولا في أخذ شيء من مالها إلا باذنها و رضاها فإن فعل شيئا من ذلك فأمرها بيدها، فأخذ شيئا من مالها بدون إذنها و اعترف بذلك للبينة..فمضت عند أبويها       و امتنعت عن الرجوع الى زوجها..فقالت:'أنا طلقت نفسي بالشرط الذي ثبت لي عليه".
فأجاب:"اذا ثبت لها ما ذكرت فلها أن تأخذ بشرطها".[15]
وهناك العديد من النوازل الشبيهة التي تدل على وجود هذا النوع من الشروط ولزومها منذ القديم في دول الغرب الاسلامي، حيث كان من أعراف الناس هناك تضمين العقد جملة من الشروط تضعها المرأة على زوجها.[16]

  - نظام الإرث : لأول وهلة قد يبدو أن إقحام الإرث و اعتباره نظاما منصفا للمرأة هو من قبيل العبث، خاصة و أن هذا النظام يعتبر من أكثر المسائل انتقادا من لدن الغرب، بل      و حتى من بعض المنظمات النسوية المطالبة بالمساواة المطلقة بين النساء و الرجال، معتبرين الإسلام، بخصوص هذه النقطة بالذات، نظاما تأخريا و جائرا، و أن قاعدة التفاضل في الإرث عند المسلمين و التي تقول : " للذكر مثل حظ الأنثيين" تكرس مبدأ التمييز ضد المرأة.
  غير أنه يمكن الرد بكل بساطة على كل هؤلاء بأن هذه الانتقادات ترجع إلى الفهم السيئ و السطحي للإسلام، فهناك حالات عدة قد يتساوى فيها الذكر مع النثى في نصيبها من الإرث، كما في قوله تعالى :" و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد "[17]، فتساوى هنا نصيب كل من الأب و الأم، كذلك يتعادل نصيب الأخ و الأخت في الميراث إذا كان رجل يورث و ليس له والد ولا ولد، فقال تعالى :" و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس"[18] ، فأين هو التمييز؟ و أين هي اللامساواة؟
   بل هناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، و تتفوق عليه إذا كانت في درجة متقدمة، كالبنت مع الإخوة الأشقاء، و البنت مع الأعمام.
   بل يمكن القول أن التمييز الحاصل في الميراث بين الذكور و الإناث من الأولاد، لا يقصد به التفرقة بينهما بقدر ما يدل على وجهة نظر الإسلام بأن هذا التفاضل بني على أساس التفرقة بين أعباء الرجل الاقتصادية في الحياة العائلية و بين أعباء المرأة.
  فكما يقول ذ.عبد السلام فيغو:" صحيح أن الإسلام أخذ من المرأة نصف حصة الرجل،   و لكنه أعطاها المهر و النفقة، و أبعدها عن أية مسؤولية في هذا المجال، وأعطى للرجل نصفا من حصة المرأة، و لكنه حمله أضعافا مضاعفة من المسؤوليات، و هذا كاف لاستبعاد أي ثغرة إنسانية في هذا المجال"[19].
  فإذا علمنا أن المرأة يجب لها المهر و النفقة من طرف زوجها، وهو ما يفتقد لدى الغرب، لأدركنا أن ما يتحمله الرجل من أعباء و مسؤوليات تجاه زوجته يفوق بكثير ما قد يناله من نصيبه في الإرث، ناهيك عن أن الزوج لا يحق له أن يأخذ من مال زوجته، و مهما كانت ثروتها الخاصة، شيئا البتة إلا بالتراضي الكامل بينهما، فإن شاءت أن تحتفظ بها لنفسها فهي و ما تشاء، و عليه مع ذلك أن ينفق عليها كأنها لا تملك شيئا.
   إذن هذه باختصار بعض الحقوق التي اعترف بها الإسلام للمرأة في إطار الأسرة، و هي غيض من فيض، و إلا فإنها لا تقع تحت الحصر، لنخلص فنقول، بأن ديننا الحنيف كان سباقا، و منذ قرون إلى إنصاف المرأة و مساواتها بشقيقها الرجل، و بطريقة لعمري أكثر تحضرا مما تنادي به المواثيق و العهود و المؤتمرات الدولية، و صحيح أن المرأة عانت بل و لا زالت تعاني من بعض أنواع الإجحاف و التمييز، و لكن ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال إلصاقه بعباءة الإسلام، و إنما هو راجع بالدرجة الأولى إلى الموروث الثقافي     و بعض الأنماط الشاذة السائدة في مجتمعنا.
  و إذا كان الإسلام قد منح المرأة كل هذه الحقوق، فإنه كذلك لم يغفل عنصرا هاما في الأسرة، و يتعلق الأمر بالطفل.

  الفقرة الثانية: حقوق الطفل في الإسلام
  يمكن القول بأن الإسلام كان سباقا في الاعتراف للطفل بحقوق عديدة تشمل مختلف جوانب حياته، تفوق حتى تلك التي قررتها المواثيق و الإعلانات الدولية، ذلك أنها مقررة من رب العباد الذي لا يضل و لا ينسى، و هو الخالق العليم بما يصلح للنفس البشرية،     و لهذا جاءت أحكام الشريعة متخطية لحدود الزمان و المكان، وحقوق الطفل في الإسلام كثيرة و متنوعة لا تقع تحت الحصر، لذلك ارتأيت الإشارة إلى بعض هذه الحقوق.
  - حق الطفل في الحياة والبقاء: لكل طفل منذ تخلقه جنينا حق أصيل في الحياة و البقاء، فحياة الجنين تتمتع في الشريعة الإسلامية بالحماية و الرعاية الكاملة حتى يكتمل له النمو الكافي لولادته حيا، و في سبيل ذلك، أوجب الإسلام الرعاية الصحية و التغذية الملائمة للأم الحامل، فكان واجبا على والد الطفل الإنفاق على أمه الحامل، فقال تعالى : " و إن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن، واأتمروا بينكم بمعروف، و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى".
  و حماية لحق الجنين في الحياة، حرم الإسلام الإجهاض، إلا إذا تعرضت حياة الأم لخطر محقق لا يمكن تلافيه إلا بالإجهاض، و دليل هذا الحق هو النهي العام عن القتل، قال الله تعالى :" و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق".[20]
  كما أن الشرع حفظ حياة الطفل من الهلاك، فإذا كانت الأم محكوما عليها بالموت و هي حامل، منع إقامة الحد عليها حتى تضع حملها، بل و حتى انتهاء فترة الرضاع و اعتماد الصغير على نفسه في الأكل و الشرب.
  - حق الطفل في النسب : للطفل الحق في الانتساب إلى أبيه و أمه الحقيقيين، و النسب هو القرابة و هي الاتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة، و قد أحاطه الإسلام بعناية فائقة و عمل على حمايته حتى لا يقع اختلاط الأنساب مع ما يترتب على ذلك مفاسد، فحرم الزنى، و فرض عدة للمطلقة و المتوفى عنها زوجها فلا يجوز لها أن تتزوج بآخر إلا بعد انقضائها، كما حرم التبني، و قد اعتبر الأصوليون حفظ الأنساب من مقاصد الشريعة.
  - حق الطفل في النفقة : لقد نظمت الشريعة الإسلامية حق الطفل في النفقة تنظيما محكما، فحددت الأشخاص المسؤولين على الإنفاق على الطفل من أبيه ثم على غيره من أقاربه الموسرين، و إن كانت تلك النفقة على قدر الاستطاعة دون إسراف و لا تقتير، فقال تعالى :" لينفق ذو سعة من سعته، و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها، سيجعل الله بعد عسر يسرا"[21]، و يقول القرطبي في تفسير هذه الآية :" أي لينفق الزوج على زوجته و على ولده الصغير على قدر سعته، حتى يوسع عليهما إن كان موسعا عليه، و من كان فقيرا فعلى قدر ذلك".
   كما حددت الشريعة الإسلامية المدى الزمني الذي ينتهي عنده هذا الحق، و هو بالنسبة للذكور:حتى يصبحوا قادرين على الكسب و أتيحت لهم فرصة عمل، و بالنسبة للإناث حتى الزواج، إذ يصبح أزواجهن عندئذ مسؤولين عن نفقتهن[22]، و في ذلك يقول صاحب التحفة:
ففي الذكور للبلوغ يتصل         و في الإناث بالدخول ينفصل[23]
 وقد اتفق الفقهاء على أن الطفل إن كان له مال فنفقته في ماله، و إذا كان ماله لا يكفيه وجب على المسؤول عن نفقته استكمال ما يكفيه.
  و كما حفزت الشريعة على الإنفاق على الأبناء، فإنها وقفت من الشح موقفا متشددا، لأن التقتير يضر بمصالح الأطفال، لذا فقد سمحت الشريعة للزوجة بأن تأخذ ما يكفي احتياجات أولادها الأساسية من زوجها حتى لا يتعرضوا للضياع.[24]
- حق الطفل في الميراث : و يتبع حق الطفل في النفقة حقه في الميراث، حيث يتمتع الطفل منذ ولادته حيا بأهلية وجوب كاملة، فيكون له بذلك حقوق في الميراث و الوصية و الوقف و الهبة و غيرها.
 و أهلية الوجوب الكاملة تثبث للإنسان فور اكتمال كيانه الإنساني بانفصاله حيا عن أمه،   و تثبت ولادة الطفل حيا باستهلاله بعد ولادته ببكاء أو صراخ، لما رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة عن النبي(صلعم) قال :" إذا استهل المولود ورث".
   فحرص الشريعة على حق الطفل في الميراث تعني الأمان المادي للطفل، بل إن المشرع قد حفظ حق الطفل في الميراث و هو جنين، فسن ألا يتم توزيع التركة إلا بعد ولادة الجنين ليعلم ها هو ذكر أو أنثى، وفي ضوء ذلك يحدد نصيبه في الميراث.
   هذه إذن بعض الحقوق التي اعترف بها الإسلام للطفل، و الذي كان سابقا بقرون عما ينادي به حاليا المجتمع الدولي[25]، و هناك حقوق أخرى عديدة كفلها الإنسان للطفل، كالحق في حسن التسمية و الاحتفاء بمقدمه، و حقه في الرضاع و في الحضانة و غيرها من الحقوق.


 يقول الأستاذ محمد المهدي في هذا الصدد :" إذا كان المستشرقون المتحاملون على الإسلام قد كتبوا كثيرا عن نظام [1]
الأسرة، فإنهم ركزوا حديثهم عن وضعية المرأة، و الهدف من ذلك هو تصوير وضعيتها بالمزرية و غير العادلة داخل الأسرة المسلمة، فإن تكلموا عن علاقتها بالرجل صوروا الرجل بالمستبد و المتحكم في كل شيء، و إن تكلموا عن المهر جعلوه ثمنا لشرائها و عوضا في صفقة تتم بين الزوج و الأب، و إن تكلموا عن الخطبة صوروا بأنها مغلوبة على أمرها لا حق لها في إبداء رأيها، و لا تستشار في اختيار زوجها، و إن تكلموا عن حقوق الزوجة صوروها بأنه لا حقوق لها على الإطلاق، على اعتبار أنها مجرد أمة منقادة انقيادا تاما لزوجها..."
محمد المهدي، فلسفة نظام الأسرة: مقاربات في ضوء الفقه و القانون و العمل القضائي، مطبعة دار السلام للطباعة       و النشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى 2011،ص162.
تعتبر بعض الكتابات أن الدين يتحمل مسؤولية تراجع مكانة المرأة عندما فرض النظام الأبوي خلفا للنظام الأمومي    [2]
الذي كان معروفا لدى بعض الجماعات في قبائل الجزيرة العربية نفسها، و أن أقصى ما تعترف به الشريعة الإسلامية للمرأة على الصعيد الاقتصادي هو حقها في المهر، و الاحتفاظ برزقها، و من تم فإن الوضع القانوني للمرأة المسلمة يبقى بعيدا عن المساواة بين الجنسين.
الحسن بلحماني،  أثر اللبس المرجعي على وضعية المرأة في النظام القانوني المغربي، ندوة بعنوان " النساء و دولة الحق و القانون"، كرسي اليونسكو"المرأة وحقوقها"، طبعة 2004، ص 25.  
 يقول تعالى :" إن أكرمكم عند الله أتقاكم".[3]
 عبد الكريم علوان، الوسيط في القانون الدولي العام، الكتاب 3: حقوق الإنسان، طبعة 2004، ص 190.[4]
 سورة النساء ، الآية 19.[5]
 ادريس حمادي، البعد المقاصدي و إصلاح مدونة الأسرة، مطبعة إفريقيا الشرق، الدار البيضاء،طبعة 2005،ص 98-[6]
99
 سورة البقرة، الآية 232[7]
 عبد الكريم علوان ، مرجع سابق، ص 188[8]
 سورة النساء، الآية 32[9]
 سورة النساء، الآية 124[10]
 ادريس الفاخوري،  وضعية المرأة العاملة بين الخطاب الشرعي و النص القانوني و الواقع الاجتماعي، ندوة الأسرة [11]
 والمواطنة، منشورات شمل،طبعة 2002، ص 54
 هناك من يرى بأنه ليس هناك مبرر يدعو المرأة متزوجة أو غير متزوجة إلى الاحتراف و العمل لأن نفقة النساء تجب [12]
على الآباء قبل الزواج و على الأزواج بعده، كما أن هذا المنع يجد سنده في حذف " الالتزامات المختلفة التي ينشئها عقد الزواج على عاتق الزوجة و منها التفرغ للشؤون الزوجية و القرار في منزل الزوجية و الالتزام بالطاعة و التبعية  في الإقامة و التنقل"
ادريس الفاخوري، مرجع سابق،ص 55
يقول ابن رشد:"...انما اختلف العلماء في لزوم الشروط التي بهذه الصفات أولا لزومها..قال مالك:'إن اشترط لم يلزمه [13]
الا ان يكون في ذلك يمين بعتق أو طلاق، فان ذلك يلزمه الا أن يطلق او يعتق من أقسم عليه، فلا يلزم الشرط الاول ايضا، وكذلك قال الشافعي  و أبو حنيفة. وقال الاوزاعي و ابن شبرمة:لها شرطها وعليها الوفاء، وقال ابن شهاب: كان من ادركت من العلماء يقضون بها،وقول الجماعة مروي عن ابن علي، وقول الاوزاعي مروي عن عمر،و سبب اختلافهم معارضة العموم للخصوص، فاما العموم فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي (صلعم) خطب الناس فقال في خطبته: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط" و أما الخصوص فحديث عقبة بن عامر عن النبي (صلعم) انه قال:"أحق الشروط ان يوفى بها من استحللتم به الفروج" والحديثان صحيحان خرجهما البخاري و مسلم، الا ان المشهور عند الاصوليين القضاء بالخصوص على العموم، و هو لزوم الشروط وهو ظاهرما وقع في العتبية و ان كان المشهور خلاف ذلك،و اما الشروط القيدة بوضع من الصداق فانه قد اختلف فيها المذهب اختلافا كبيرا..أعني في لزومها أو عدم لزومها"
-أبو الوليد محمد بن احمد بن محمد بن احمد بن رشد القرطبي الاندلسي-بداية المجتهد ونهاية المقتصد-ج2-دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع-لبنان-ص2008-ص48.

أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل افريقية و الاندلس والمغرب،[14]
ج3، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية ، الطبعة الأولى ،1981،ص94-95

أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي-مرجع سابق-ص48 [15]
 سامية شبشوب الزمي، كتب الفتوى و النوازل:مدخل آخر لمقارنة تاريخ الاسرة في المجتمعات الاسلامية، ندوة بعنوان [16]
الأسرة في البلاد العربية-الاسلامية:قراءة للضوابط الدينية والقانونية، مطبعة مؤسسة كونراد-اديناور، ط2010، ص34.

 سورة النساء، الآية 11[17]
 سورة النساء، الآية 12[18]
 عبد السلام فيغو،  الحقوق المالية المرأة بين عدل التشريع وواقع التطبيق: شبهات حول ميراث المرأة"،الحقوق [19]
  والالتزامات المالية للمرأة داخل الأسرة في ظل المتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية"، منشورات الجمعية المغربية للتربية و رعاية الأسرة،طبعة 2003،ص 40
 أما إباحة الإجهاض في حالة تعرض الأم لخطر محقق فتستند لعدة أصول شرعية هي:[20]
- حالة الضرورة، لقوله تعالى :" إلا ما اضطررتم إليه"، و تغليبا لحياة الأم على حياة جنينها، لأنها الأصل و هو الفرع،  و عملا بقوله تعالى :" و لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده"، و لتحمل أخف الضررين، لأن حياة الأم مستقرة،   و حياة الجنين محتملة.
خديجة النبراوي، موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام،دار السلام للطباعة و النشر و التوزيع و الترجمة، ص 27و28
 سورة الطلاق، الآية 7[21]
 خديجة النبراوي، مرجع سابق،ص 41[22]
 أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المالكي، شرح ميارة الفاسي، المجلد1، دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة 1،2000 [23]
401
 عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت : يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، و ليس يعطيني ما يكفيني [24]
وولدي إلا ما أخذت منه و هو يعلم، فقال:" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"
أخرجه البخاري في البيوع (2211) =
 و في هذا المعنى يقول المجلس الإسلامي العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام في 19 شتنبر 1981:" شرع الإسلام [25]
منذ أربعة عشر قرنا حقوق الإنسان في شمول و عمق، و أحاطها بضمانات كافية لحمايتها، و صاغ مجتمعه على أصول ومبادئ تمكن لهذه الحقوق و تدعمها"
مقال بعنوان "حقوق الإنسان عبر العصور"، مجلة الأمن الوطني،عدد 193،1998،ص 26

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق